بحث حول بعض مدن المغرب العربي من خلال الرحالة العرب -->
U3F1ZWV6ZTQ0NDk0NjAzMzJfQWN0aXZhdGlvbjUwNDA2MjUwMDM3
recent
مواضيع مهمة

بحث حول بعض مدن المغرب العربي من خلال الرحالة العرب

بحث حول بعض مدن المغرب العربي من خلال الرحالة العرب

تقرير حول بعض مدن المغرب العربي من خلال الرحالة العرب

مقدمة

لم تظهر الكتابة عن الرحلة إلا فيما بعد الهجرة النبوية، والفتوحات الإسلامية، وازدهار الحضارة العربية وثقافتها، حيث ظهرت كتابات عن رحلات قام بها رحالة عرب، حيث ظهر أدب الرحلات ليشكل أحد أهم تجليات الثقافة في ذلك العصر، وليجوب بعض الرحالة العرب بلادا عربية تجاور بلادهم بل وصل بعضهم إلى بلاد غير عربية وبعيدة كالصين والهند وبلاد ما وراء النهر وتركيا وغيرها.

وقد أدى الرحالة العرب مهمة سامية للأجيال القادمة، إذ أسهمت كتاباتهم لأدب الرحلات في نقل كثير من الصور الجميلة والمشاهد المميزة لتلك البلاد وطبيعتها الجغرافية، وظروفها المعيشية وألقوا الضوء على تاريخ هذه البلاد وأفكار سكانها وعادات وتقاليد قد تختلف وقد تتفق مع عادات البلاد التي جاء منها هؤلاء الرحالة، فأسهموا بذلك في نقل بعض ثقافات الشعوب الأخرى،وإثارة الاهتمام بها وتشجيع المهتمين من العلماء وطلبة العلم على زيارة تلك البلاد للنهل من معارفها وعلومها.

من أشهر الرحالة العرب

ابن جبير

صاحب كتاب تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار، عرف بـ :رحلة ابن جبيروهومن الأندلس، اسمه محمد بن أحمد بن جبير الكناني، المعروف بابن جبير ولد فيبلنسية بأسبانيا سنة 540 هـ (1145) وتعلم على يد أبيه وغيره من العلماء فيعصره، ثم استخدمه أمير غرناطة أبو سعيد بن عبد المؤمن ملك الموحدين فيوظيفة كاتم السر فاستوطن غرناطة.
وكان الأمير أبو سعيد استدعاه يوما ليكتب عنه كتابا وهو يشرب الخمر، فأرغمابن جبير على شرب سبعة كؤوس من الخمر وأعطاه سبعة أقداح دنانير، لذلك صمم ابن جبير على القيام برحلة الحج بتلك الدنانير تكفيرا عن خطيئته، وأقام في سفره سنتين ودوَّن مشاهداته وملاحظاته في يوميات، حوالى سنة 582هـ/ (1186) وتداول كتابه الشرق والغرب حتى قام المؤرخ والمترجم الإنجليزى ويليام رايت بنشره وطبعه في كتاب جمع عددا كبيرا من الرحلات لرحالة وحجاج عرب وأجانب مسلمين ومسيحيين ويهود

ابن فضـلان

صاحب كتاب رسالة ابن فضلان، ولد في القرن العاشر الميلادي، أرسله الخليفةالعباسي المقتدر بالله من بغداد إجابة لملك الصقالبة - في روسيا - لتعليمه الإسلام وبناء مساجد وحصن له من أعدائه، فأرسل ابن فضلان على رأس وفد العلماء والفقهاء وأمضى 3 سنوات من (921- 924) في بلاد الروس والصقالبة والخرز والاسكندنافيه.

العلامة الإدريسي

صاحب كتاب :نزهة المشتاق في اختراق الآفاق،للإدريسي، واسمه أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس.
أحد كبار علماء الجغرافيا، كما أنه كتب في التاريخ، والأدب، والشعر، والنبات ودرس الفلسفة، والطب، والنجوم، في قرطبة.
ولد في مدينة سبتة شمال المغرب عام 493 هـ (1100) و مات عام 560 هـ (1166). زار الحجاز ومصر. وصل سواحل فرنسا وإنكلترا. سافر إلى القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى. استخدمت خرائطه في سائر استكشافات الرحالة الغربيين في عصر النهضة الأوربية، حيث حدد في خرائطه التي نشرت بكتابه اتجاهات الأنهار والمرتفعات والبحيرات، ومنابع نهر النيل وضمنها أيضًا معلومات عن المدن الرئيسية بالإضافة إلى حدود الدول.
انتقل الإدريسي إلى صقلية بعد سقوط الحكومة الإسلامية، لأن ملكها في ذلك الوقت :روجر الثاني كان محباً للمعرفة، فشرح الإدريسي لروجر موقع الأرض في الفضاء مستخدمًا في ذلك البيضة لتمثيل الأرض، شبه الإدريسي الأرض بصفارالبيضة المحاط ببياضها تماما كما تهيم الأرض في السماء محاطة بالمجرَّات.

الرحالة ابن بطوطة

ولد ابن بطوطة في طنجة بالمغرب عام 1304 لعائلة عرف عنها عملها في القضاء. وفي فتوته درس الشريعة وقرر عام 1325, وهو ابن 21 عاماً, أن يخرج حاجاً. كما أمل من سفره أن يتعلم المزيد عن ممارسة الشريعة في أنحاء بلاد العرب.
في أول رحلة له مر ابن بطوطة في الجزائر وتونس ومصر وفلسطين وسوريا ومنها إلى مك

مدن المغرب العربي بأقلام الرحالة العرب

مدينة الجزائر

عاصمة لـلقطر الجزائري منذ زهاء خمسة قرون، وقد تنقلت عاصمة القطر الجزائري (المغرب الأوسط قبل ذلك بين مدائن: تيهرت والقلعة، وبجاية، وتلمسان.
وكانت الجزائر في القديم تحمل اسم "ايكسيوم" أو "اقسيوم"، وقد أسسها هركول الفينيقي وأصحابه العشرون فردا، ولذلك سميت بهذا الاسم الذي يدل باللغة اليونانية القديمةعلى عدد عشرين إشارة إلى بناتها "وكانت ،المدينة، أيام الاحتلال الروماني قليلة الأهمية، ثم خربت أثناء هجمات الوندال وثورات البربر،وأصبحت مستقرا لقبيلة بربرية تدعى "بني مزغنة" بكسر الميم والغين وسكون الزاي وتشديد النون"، وفي منتصف القرن الرابع الهجري (العاشرالميلادي) أسس ُبلكّين بن زيري بن َمنّاد الصنهاجي في عهد والده وبأمر منه مدينة سماها "جزائر بني مزغنة" وقد بنيت على أنقاض المدينةالفينيقية السالفة الذكر وكان موقعها على ما حققه علماء الآثار في سفحالقصبة أي في ساحة الشهداء والجامع الأعظم المالكي. ، »وأخذ نموالجزائر يتزايد إلى أن هاجمت القبائل العربية (الهلاليون) سهول متيجةفاستولت قبيلة الثعالبة على جزائر بني مزغنة وسكنتها، ولما ضعفت الدولةالزيانية وتكالب الأسبان على سواحل إفريقيا، احتلوا الجزائر وأسس (بيدرونفارو) حصنا في أكبر جزائرها (جمع جزيرة) وهو (مكان برج الفنار اليوم)،يبعد عن المدينة نحو 300 متر ويجعلها دائما تحت تهديد مقذوفاته، وذلك سنة 1510م وضاق أهل الجزائر ذرعا بالإهانة الإسبانية، فاستصرخوا لنجدتهم الأخوين بربروس خير الدين وعروج رايس ،وكانا أشد الناس صلابة في الإيمان وأقواهم شكيمة في البحر فقدما... (إلى) الجزائر وكسرا الإسبانيين بإعانةأهل المدينة شر كسرة سنة 1516 (وعين) خير الدين ملكا على الجزائر وازدانت أيامه بالعدل والخير واعترف حتى أعداؤه بفضائله وكمالاته، وحاول المسيحيون إعادة الكرة على المدينة فردتهم المدينة مذمومين مدحورين في سنة 1519 م،وفي عام 1529 م تمكن خير الدين من الاستيلاء على الحصن الإسباني الذي بقي مهددا للمدينة من البحر وجعله حصنا إسلاميا ....(ومنذ ذلك الحين) أصبحت الجزائر عاصمة للمملكة العظمى التي تشمل القطر الجزائري، وتبسط نفوذها على البلاد التونسية، وكانت (الجزائر) دولة (قوية) يملأ أسطولها البحار رعبا يسالم من سالمه ويحميه ويـفديه، ويحـارب من حاربه ويدمـره.

الجزائر في عيون الرحالة العرب

وقدأفاض في وصفها الرحالة العرب واستوقفت معالمها المؤرخون، وقد وصفها الأصطخري في أوائل القرن الرابع الهجري، فقال: "وجزائر بني مزغنة مدينةعامرة يحف بها طوائف من البربر، وهي من الخصب والسعة على غاية ما تكون المدن.

تيهــــــــــرت :

ازدهرت تيهرت وبلغت شهرتها الآفاق ، وشدت إليها الرحال للتجارة والسكن والعيش الرغيد الآمن ، مما جعل الكتاب والرحالة يقصدونها ويشيدون بها ومن ذلك ما قاله المقدسي واصفا لها فيقول : " ... هي بلخ المغرب ، قد أحدقت بها النهار ، والتفت بهاالأشجار ، وغابت في البساتين ، ونبعت حولها العين ، وجل بها الإقليم ، وانتعش فيهالغريب ، واستطابها اللبيب ، يفضلونها على دمشق وأخطأوا ، وعلى قرطبة وما أظنهمأصابوا ، هو بلد كبير ، كثير الخير رحب ، رقيق طيب ، رشيق الأسواق ، غزير الماء ،جيد الأهل ، قديم الوضع ، محكم الرصف ، عجيب الوصف
ولقد اهتم أئمة الدولة الرستمية بالجانب الاقتصادي لدولتهم ، فاهتموا بالزراعة وكانت تكثر فيها البساتين وزراعة الحبوب ، والعصفر والكتان والسمسم ، والنخيل ، ومختلف الفواكه ، والتين والزيتون ، فكانت تدر عليهم أرباحا طائلة ، وقد كانت تكثر فيها الأنهار ، وأقام الرستميون خزانات وأحواض للماء كبيرة اكتشفها الأثريون ، وكانت محكمة التصميم والهندسة ، ليحافظوا على الماء أيام الجفاف ، بل إنهم أوصلوا الماء إلى البيوت عن طريق الأنابيب وشق القنوات . واهتموا كذلك بالرعي وتربية الماشية ، لكثرة المراعي الخصبة في الدولة الرستمية ، فكانوا يربون الغنم والبقر والجمال والخيول والبغال والحمير ، وكانت تجارتها رائجة ، وتصدر إلى الدول المجاورة ، وكانوا يستغلونها في إنتاج الصوف ، قال ابن حوقل يصف الماشية في تيهرت وأحوازها : " وهي أحد معادن الدواب والماشية والغنم والبغال والبراذين الفراهية ، ويكثر عندهم العسل والسمن " .
حتى أن بعضهم كان يمتلك مئات الآلاف من الماشية ، التي كانت عمادا لبيت مال المسلمين ، قال الإمام عبد الوهاب : " لولا أنا ومحمد بن جرني ويبيب بن زلغين لخرب بيت مال المسلمين : أنا بالذهب ، ومحمد بن جرني بالحرث ، وابن زلغين بالأنعام " .
وكذلك كان لهم اهتمام كبير بالصناعة ، فكانت توجد في الدولة الرستمية العديد من الصناعات والحرف كالنجارة والحدادة والخياطة والدباغة والطحن ، وصناعة السفن والقوارب ، وصناعة الزجاج والفخار والتحف والعطور ، والخشب المنحوت والمخطوط والمموه والمرصع بالعاج أو الصدف ، وصناعات الذهب والفضة ، حتى أنها كانت تضرب منها الدراهم والدنانير ، فكانت لها عملاتها الخاصة التي كشفت عنها الآثار .
وقد اهتم الرستميون بالتجارة أيما اهتمام ، فأنشئوا الأسواق في مختلف المدن ، فكانت رائجة بشتى أنواع البضائع والمؤن التي تأتي من داخل الدولة الرستمية نفسها أو من الدول الأخرى عن طريق العلاقات التجارية ، حيث أنه كانت للدولة الرستمية علاقات تجارية مع الكثير من الدول كالأندلس ومصر وبلاد السودان وغيرها من الدول في المشرق والمغرب ، فكانت القوافل التجارية تخرج من الدولة الرستمية محملة بشتى أنواع البضائع والمؤن إلى تلك الدولة ، وتعود كذلك محملة بالبضائع التي تنتج في تلك البلاد ، وكانت تجارة الذهب وبيع الرقيق رائجة في ذلك الوقت ، وللدولة الرستمية نشاط كبير فيها ، ووصل النشاط التجار ي في الدولة الرستمية إلى حد أنه كان يوجد بها التخصص في الأسواق ، فكان بها سوق النحاس ، وسوق الأسلحة ، وسوق الصاغة ، وسوق الأقمشة وغيرها من الأسواق .
وقد قام الأئمة الرستميون بإنشاء بيوت للأموال في مدن الدولة الرستمية ، وبيت مال مركزي في العاصمة تيهرت مع دار للزكاة ، وكانت موارد بيوت المال تختلف عن موارد دار الزكاة ، فدار الزكاة مورده هو أموال الزكاة فقط ، وكانت تصرف أموال الزكاة من هذه الدار لمستحقيها الشرعيين الذين حددهم الله تعالى في كتابه في قوله : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين ... والله عليم حكيم } التوبة : 6 .
وأما دور الأموال فكانت مصادرها الجزية وخراج الأراضي والضرائب والرسوم التي تؤخذ على القوافل التجارية والتجار والحرفيين ، وكانت أموال هذه الدور تسخر في أجور الموظفين في الدولة ، وفي بناء المساجد والطرقات والأسواق ومصالح المسلمين .
أيضا فإننا نجد أن الرستميين اهتموا بالجانب العلمي والفكري اهتماما كبيرا ، ولا أدل على ذلك أن من الشروط الأساسية في إمام الدولة حتى يتم انتخابه ، أن يكون عالما بأمور الشريعة والسياسة والحكم .
فاهتمت الدولة بإنشاء المؤسسات التعليمية كالكتاب ـ أماكن للتعليم ـ وكذلك إقامة حلق العلم في المساجد سواء في التفسير أو الحديث أو الفقه أو اللغة وغيرها من العلوم ، حتى أن أئمة الدولة الرستمية كانوا يساهمون في التعليم بأنفسهم ولا يأنفون من ذلك أو يتكبرون ، كالإمام عبد الوهاب الذي قضى سبع سنوات يعلم الناس أمور الصلاة في جبل نفوسة ، أو الإمام أفلح الذي دارت عليه أربع حلق للعلم قبل أن يبلغ الحلم .
وكذلك اهتمت الدولة الرستمية بإنشاء المكتبات العلمية الزاخرة بمختلف فنون العلم والآثار ، ومن مكتباتها المشهورة مكتبة " المعصومة " التي كانت تحوي آلافا من المجلدات والكتب ، أوصلها بعض الباحثين إلى ثلاثمائة ألف مجلد ، فكانت تحوي بين رفوفها كتبا في علوم الشريعة من تفسير وحديث وفقه وتوحيد ، وكتبا في الطب والرياضيات والهندسة والفلك والتاريخ واللغة وغيرها من العلوم المختلفة ، ولم تكن كتبها مقتصرة على مذهب بعينه بل كانت تجمع مؤلفات لمختلف المذاهب الإسلامية ، ومن المكتبات المشهور الأخرى " خزانة نفوسة " الجامعة لآلاف الكتب ، وكذلك لم تخل منازل العلماء في الدولة الرستمية من وجود المكتبات الخاصة .
وهذه النهضة العلمية لابد وأن يواكبها نهضة في مجال التأليف ، فحازت الدولة الرستمية قصب السبق في ذلك ، فقدم أئمتها وعلماؤها للأمة الكثير من المؤلفات في مختلف فنون العلم سواء الدينية أم الدنيوية ، وكان أئمة الدولة الرستمية في مقدمة الركب في ذلك ، كالأمام عبد الرحمن الذي ألف كتابا في التفسير ، وكتابا جمع فيه خطبه ، والأمام عبد الوهاب الذي ترك لنا كتابا يعرف بـ " مسائل نفوسة الجبل " ، وأما الإمام أفلح فقد ترك لنا الكثير من المؤلفات والرسائل العلمية منها المطبوع ومنها المخطوط ، وأما الإمام أبو اليقظان فكان من المكثرين في التأليف ومن مؤلفاته " رسالة في خلق القرآن " وغيرها من المؤلفات ، هذا بالنسبة لأئمة الدولة الرستمية ، وأما علماؤها فحدث عنهم في مجال التأليف بلا حرج .
كذلك فإن الدولة الرستمية لم تهمل جانب العلوم العقلية كعلم الكلام وغيره ، فكانت تجري بين العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية والتيارات الفكرية المناظرات والمناقشات العلمية بحرية تامة وبلا تضييق ، وذلك أن الدولة الرستمية عاش في كنفها الكثير من اتباع المذاهب الإسلامية كالإباضية والمعتزلة والصفرية والحنفية والمالكية والشيعة وغيرهم ، بل كان هناك وجود لليهود والنصارى كما ذكرنا .

كذلك نجد أن الدولة الرستمية كان لها اهتمام بالأدب العربي من شعر ونثر ، فأما النثر فيظهر ذلك جليا من خطب أئمة الدولة الرستمية ومراسلاتهم ، وأما الشعر فكان لهم نصيب فيه ولكن ليس كالنثر ، ومن شعراء الدولة الرستمية الإمام أفلح بن عبد الوهاب ، ومن قصائده العصماء تلكم القصيدة في فضل العلم التي يقول في مطلعها :
العلم أبقى لأهـل العلم آثـارا :: وليلهم بشموس العلم قد نـارا
يحيى به ذكرهم طول الزمان وقد :: يريك أشخاصهم روحا وأبكارا
حي وإن مات ذو علم وذو ورع :: إن كان في منهج الأبرار ما مارا
ومن شعراء الدولة الرستمية شاعر تيهرت بكر بن حماد الزناتي ، ومن شعره :
قف بالقبـور فنادي الهامدين بهـا :: من أعظم بليت فيها وأجساد
قـوم تقطعت الأسـباب بينهـم :: من الوصال وصاروا تحت أطواد
راحوا جميعا على الأقدام وابتكروا :: فلن يروحوا ولن يغدوا لهم غادي
والله والله لـو ردوا ولو نـطقوا :: إذا لقالوا : التقى من افضل الزاد
وقد كانت للدولة الرستمية علاقات ثقافية مع بلدان المغرب والأندلس ، ومع بلاد السودان وبلدان المشرق العربي ، فكانت بينهم مراسلات ولقاءات .
وقد امتدت حدود الدولة الرستمية في فترة من فتراتها الزاهرة من حدود مصر شرقا إلى مدينة تلمسان في أقاصي المغرب الأوسط غرب .
وبعد هذا العمر المديد وهذه الإنجازات الضخمة التي قدمتها الدولة الرستمية للأمة الإسلامية ، هجم عليها أبو عبد الله الشيعي داعية الفاطميين في سنة 296هـ ، فدمرها وعاث فيها فسادا ، وقتل أهلها ، ولم يكتف بذلك ، بل قام بإحراق مكتبة المعصومة بعد أن أخذ منها الكتب الرياضية والصناعية والفنية ، فقضى بذلك على تراث عظيم من تراث الأمة الإسلامية فحسبنا والله ونعم الوكيل .
هذه هي الدولة الرستمية الإسلامية ، والتي للأسف الشديد تجاهلها الكثير من المؤرخين والكتاب القدماء أو المحدثين ، وإذا ذكروها لا يذكرونها إلا بقصد التجني عليها ، وتشويهها والتعتيم على الإنجازات العظيمة التي حققتها خدمة للأمة الإسلامية ، وكل هذا يعود إلى الأهواء السياسية ، و التعصبات المذهبية المقيتة التي عادت على هذه الأمة بالشر والوبال ، بالرغم من أن الدولة الرستمية أظلت بظلها مختلف المذاهب الإسلامية بل والديانات الأخرى ، مصانين الحقوق والكرامة

عنابة :

ومن المدن صانعة التاريخ (هيبون) أو بونة، أو بلد العناب، أو عنابة فهذه المدينة تقف اليوم صفحة مشرقة تروي لكل من يقرأها ويتأملها روائع أصحابها القدماء، وتحمل إليه صور الماضي البعيد، وما أقاموه شاهدًا على حضارتهم العريقة التي بلغت أوجها ذات يوم. وتحكي له مآثر أولئك القدماء الذين امتدت رقعة إمبراطوريتهم على مساحات شاسعة من العالم شرقا وغربا، وتحققت لهم الانتصارات تلو الأخرى. وتمتعت مدنهم بالأمن والازدهار والنهضة واتسمت بالفخامة والجمال في البناء ثم رحلوا عنها ولم يبقى إلا آثارهم لتكون عبرة لمن بعدهم.
وهو ما يفهم منه أن مدينة (بونة) عنابة أدت دورًا تاريخيا عبر العصور والأجيال. فهي مدينة وميناء من أهم الموانئ على ضفة البحر المتوسط في التاريخ القديم – وحتى في التاريخ المعاصر أيضا – وأسهمت في ازدهار الحضارة الفينيقية والرومانية، وزرعت وجودها العمراني والتجاري والحضاري في البحر الأبيض المتوسط. ولعله لم يكن ليحدث هذا لو لا موقع بونة الاستراتيجي على البحر ومركزها عند ملتقى خطوط المواصلات والتجارة البرية والبحرية. ومن ثم لا نعدم قول القـائل إن مـوقع المدن » ذو تأثير كبير على مصير الإنسان ورخائه ونموه الاجتماعي وتطوره الحضاري عبر القرون(...)، ومن ثم على تكييف صلاته مع العالم الخارجي، وتفاعله مع مختلف الشعوب التي جاءت إلى هذه البلاد للتجارة أو للاستعمار أو لنشر المبادئ والإيديولوجية «. وهو ما نستخلصه من أقوال الرحالة والجغرافيين العرب والغربيين وأصافهم.
وقبل إيراد ذلك أو سرده أو التذكير بأن وصف الرحالة والجغرافيين للمدن لا يختلف كثيرًا عن وصف السائحين اليوم للمدن التي يزورونها إلا أنهم – أي القدماء – قيلا ما يذكرون عدد السكان والمساحة. وإنما كان همهم – فيما يبدو لي – تعداد أو وصف ما في تلك المدن من الحصون والجوامع والكنائس، والحمامات والشـوارع، والأسـواق والحيوانات والنتاج الزراعي والصناعي، والطبيعة المحيطة بذلك.
ومن الذين مروا على بونة أو نزلوا بها وأقاموا، أو وصفوها اعتمادًا على ما نقلوه من مـؤلفات الذين سبقوهم :
ابن حوقل النصيبي (تـ367ه) : فقد جاب هذا الرحالة (التاجر) في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) مختلف أقطار الأرض لأجل الدرس والتجارة والكسب، ومنه أقطار المغرب العربي شرقا وغربا، شمالا وجنوبا ولم تكن زيارته زيارة عابر سبيل، بل كانت مناسبة للدرس والتأمل فسجل لنا ملاحظات نعدها من أهم ما وصلنا في وصف المغرب منذ الفتح الإسلامي. وأكثر ما عني به الناحية الاقتصادية للمدن وللمناطق التي زارها، بحكم مهنة التجـارة التي كـان يمارسها. يقول في وصف بونة : » ومدينة بونة مدينة مقتدرة، ليست بالكبيرة ولابالصغيرة.

معالم تلمسان كما وصفها الرحالة العرب

لقد أبهرت تلمسان منذ أن تأسست كحاضرة من أهم حواضر المغرب العربي كل منزارها من الرحالة وطلاب العلم والموفدين إليها من السفراء من المشرق والمغرب واللاجئين إليها بحثا عن الآمان. ولم يتردد هؤلاء في وصفها في كتبهم وسفراتهم ، فأكثروا في مدحها وأطنبوا في إظهار جمال منشآتها العمرانية وحسن تخطيطها وتطور حضارتها. وقد استهوت تلمسان حتى أولئك الذين تعرفوا عليها في كتب الآخرين ولم يزوروها، لما تمتعت به من شهرة طيبةوإشعاع باهر.
ومن بين الذين وصفوا لنا تلمسان بشيء من التفصيل والاهتمام بموقعها الجغرافي ومنشآتها المدنية والعسكرية والدينية الرحالة العمري المتوفى سنة 749هـ، فقال:
" وأما تلمسان وهي قاعدة الملك الذي فتحه هذا السلطان بسيفه، واستضافه إلى ملكه، قال الشريف في كتاب روجار وهي في سفح جبل وبها آثار الأول، وماؤها مجلوب من عيون علىستة أميال، ولها أسواق ضخمة، ومساجد جامعة، وأنهار وأشجار، وشجر الجوز  كثير بها، وفيها المشمش المقارب في حسنه لمشمش دمشق وعلى نهرها الأرحاء، ويصب نهرها في بركة عظيمة من آثار الأول، ويسمع لوقعه خرير على مسافة ثم يصب في نهر آخر بعدما يمر على البساتين، ويستدير بقبليها وشرقيها، وتدخل فيه السفن اللطاف حيث يصب في البحر.
وهيدار علم متوسطة في قبائل البربر، ومقصد تجار الآفاق، زكية الأرض من الزرعوالضرع، وبها حصون كثيرة، وفرض عديدة أشهرها فرضة هنين وهي قبالة المرية (من الأندلس) ووهران (في شرقي تلمسان شمال قليل على مسيرة يوم من تلمسان،ومستغانم تقابل دانية من الأندلس).
وتلمسان على ما بلغ حد التواتر فيغاية المنعة والحصانة مع أنها في وطاءة لكنها محصنة البناء، ولقد أقام أبو يعقوب يوسف عم هذا السلطان أبي الحسن نحو عشر سنين و بنى عليها مدينة سماها تلمسان جديدة ثم مات، وسمى أهل تلمسان تلك السنة سنة الفرج حتى كتبوا في سكتهم ونقشوا: ما أقرب فرج الله، وشرع حينئذ أبو حموبعد إتمام سنة من الفرج من رحيل بني مرين عنها، وهو والد سلطانها أبيتاشفين المأخوذة منه في تحصيل قوتها، وتحصين أسوارها، ولم يدع ما يحتاجإليه المحاصر لعدة سنين كثيرة حتى حصله من الأقوات والآلات حتى سليتالشحوم، وتمليت بها الصهاريج وملئت أبراج المدينة بالملح والفحم والحطبواختزن داخل المدينة كلها زرع، ومات أبو حمو وولي بعده أبو تاشفين فزادهاتحصيلا من الأقوات، وتحصينا من الأسوار والآلات، وبنى بها البناءاتالعجيبة الشكل ، والقباب الغريبة المثل، والبرك المتسعة، والقصور المنيفة،وغرس فيها بساتين، غرس بها من سائر أنواع الثمار إلى أن حاصر بجايةونازلها وبنى عليها، فاستنجد الموحدون المريني، فأرسل إليه العلماءالصلحاء والأعيان، وندبوه إلى الصلح بينهم فأبى إلا عتوا وفسادا، فنهض إليه أبو الحسن وحاصره أشد حصار، وبنى عليه مدينة سماها المنصورة، وبقي أربع سنين محاصرا لها، مضيقا عليها آخذا بخناقها، ونصب عليها المجانيق وأخذ عليها المسالك من كل جهة، ولم يدع طريقا للداخل إليها ولا لخارج منها، وسلطانها أبو تاشفين وجميع أهلها في ضيق الخناق معهم، ولا يفك لهم وثاق، ولا يحل لهم خناق، ولا تبرق لديهم بارقة خلاص، وكانوا مع هذاالتشديد الشديد في غاية الامتناع، لحصانة بلدهم وكثرة ما بها من الماء والأقوات، وكان في المدينة عين ماء لا يقوم بكفايتها، وكان يجري إليها الماء من عين خارجة عن البلد لم يعرف لها (أحد) منبعا أخفيت بكثرة البناءالمحكم، ولم يظهر لها على علم إلى أن خرج أحد من يعرفها من البنائين المختصين بسلطانها الكاشف عنها حين بنائها، فأظهرها للسلطان أبي الحسن وكشف عنها فقطعها عنهم، وأبعدها منهم، وصرفها إلى جهة أخرى فقنعوا بالعين التي في داخل بلدهم، واكتفوا بالبلالة، ولم يظهر منهم وهن ولا خور لانقطاع الميرة لما كان عندهم من المخزون حتى قدائد اللحوم ومسليات الشحوم ولميتغير طعمها لأن بلاد الغرب مخصوصة بطول مكث المخزونات بها، فإنه ربما بقيالقمح والشعير في بعض أماكنها ستين سنة لا يتغير ولا يسوس ثم يخرج بعد خزنهذه المدة الطويلة فيزرع وينبت وخصوصا تلمسان في بر العدوة، وطليطلة فيالأندلس."
..ونعود إلى ذكر تلمسان، فنقول: إنها منحرفة إلى الجنوبالشرقي من فاس، ولها ثلاثة أسوار ومن جهة القصبة ستة أسوار بعضها داخلبعض، ولم يهجس بخاطر أنها تؤخذ ولكن بسم الله لهذا السلطان أبي الحسن المريني صعبها وذلك له إباءها حتى ملك ناصيتها، وبلغ دانيتها وقاصيتها،وإذ قد ذكرنا قواعد الملك الثلاث فلنذكر ما لا بأس بذكره من هذه البلاد".
التخطيط العمراني لتلمسان في العهد الزياني
لم تشهد مدينة تلمسان حديثا حفريات ولا تنقيب في ميدان العمران والآثاربالشكل والحجم الذي كان يفترض أن يكون في مدينة كلها آثار، ولذلك يعانيالباحثون من صعوبة التعامل مع المعطيات العمرانية والأثرية لعدم توفرها. وأمام هذه الندرة، يلجأ الباحث إلى دراسة المخطط العمراني والبنيةالداخلية لمدينة تلمسان من خلال النصوص التاريخية التي تتناول جلها العهدالزياني، والمصنفات العامة والخاصة بتاريخ بني زيان وحضارتهم، وكذلكباللجوء إلى بعض الدراسات والأبحاث الميدانية الحديثة، على قلتها وندرتهاوغموض بعضها.
ولايسعنا في مثل هذه الحالة إلا أن ننبه إلى أن بعض المعلومات قد تكونتقريبية ولا سيما فيما يتعلق بتحديد أماكن الأحياء، والدروب والأزقةوالقصور، التي وردت أسماؤها في هذه النصوص لاندثارها وزوال معالمهاالعمرانية، بسبب يد الإنسان وفعل الزمان الذي عبث بها.
لا تختلف تلمسانفي تخطيطها عن المدن الإسلامية في المغرب والمشرق، فهي تحمل نفس الصفاتالعمرانية وتتسم ببنية داخلية مشابهة. تتميز المدينة الإسلامية عموما فيبلاد المشرق والمغرب بسمات مشتركة، بغض النظر عن الخصوصيات التي تفرضهاالبيئة الطبيعية والتقاليد المحلية، لأن تشييد المدينة الإسلامية مرتبطبضوابط وشروط معمارية أساسية. ولم تخرج تلمسان عن هذا النمط، فوجدت بهاتلك المعالم العمرانية الأساسية وعلى رأسها:
أولا: المسجد الجامع:
ثانيا: القصبة:
ثالثا: الأسوار:
رابعا: الأبواب:
خامسا: القيصارية أو السوق الكبير:
سادسا: وظيفة سكان المدن:.
سابعا: الطرق والأزقة والمنازل:

وهــــــران

وهران مدينة جزائرية على الساحل الغربي للبلاد على البحر المتوسط، عاصمة غرب البلاد وثاني أكبر مدينة بعد الجزائر العاصمة. تعد المدينة مركزا اقتصاديا وميناء بحريا هاما.
تقع مدينة وهران داخل الخليج الذي يحمل اسمها, على خطي العرض 35 و42 درجة شمالا وعلى خطي الطول 30 و38 درجة غربا, ويبلغ عرض خليجها 21 كلم, وتحيط بالمدينة جبال لا يتجاوز ارتفاعها 579 م, وهي بذلك تقع في منطقة معتدلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. أما موقع المدينة فإنها توجد بين السفوح الشرقية لجبل (مرجاجو) غربا و(الجروف الصخرية) وهضبة (بئر الجير) شرقا, والسبخة الكبرى جنوبا. تحتل وهران موقعا استراتيجيا هاما, فهل تطل على البحر الأبيض المتوسط من جهة ولا تبعد عن شبه جزيرة إيبيريا كثيرا, إضافة أنها تعتبر منفذا حضاريا هاما, سواء غربا أو شرقا أو شمالا.
تعتبر مدينة وهران عاصمة إقليمية للغرب الجزائري بسبب تحكمها في طرق المواصلات (البرية والبحرية والجوية والحديدية), وسيطرتها على الحركة التجارية مع الداخل (المدن الغربية والجنوبية الغربية) والخارج (أوربا كفرنسا وإسبانيا
وصف وهران من خلال الكتّاب الجغرافيين المسلمين:
يذكر أغلب الجغرافيين والمؤرخين والرحالة المسلمين أن وهران مدينة ساحلية بالمغرب الأوسط, وهي تقابل مدينة (مرية) من ساحل الأندلس.
أما عن تأسيسها فالرأي الغالب والأصوب أنه يرجع إلى الأندلسيين كما سبق, وهذا لا يعني أن المدينة لم تكن موجودة قبل هذا التاريخ, إنما هذا التاريخ يعتبر الانطلاقة الحقيقية لظهور مدينة كبيرة على الساحل الغربي للمغرب الأوسط.
ويرى بعض الباحثين أن سبب تأسيسي مدينة وهران سنة 290 ه/ 903م إنما يرجع أساسا إلى مينائها الهام الذي يلعب دورا بارزا في التجارة, في حين ذهب بعضهم إلى أنه مرتبط بالغزو الشيعي الذي استفحل أمره في نهاية القرن الثالث في المغربين الأدنى والأوسط والذي أصبح يهدد مصالح الأمويين في المغرب العربي.
والجدير بالإشارة أن وهران قد تعرضت لمرات عديدة للتخريب, وكان في كل مرة يعاد بناؤها من جديد كما حصل في عهد الموحدين (1145-1248ه). وقد عرفت وهران صراعات كثيرة كانت سببا مباشرا في حرقها مرات عديدة, ومن هذه الصراعات صراع داخلي سببه التنازع على الملك وحب السيطرة من جهة, وبين الدول والقبائل والأسر التي ما انفكت تتقاتل فيما بينها من جهة أخرى.
كما عرفت صراعا خارجيا بين العالم الإسلامي بقيادة تركيا والعالم المسيحي بقيادة إسبانيا, وتعتبر الحرب الصليبية التي شنتها إسبانيا على المغربين العربي عامة ووهران خاصة فترة تاريخية هامة في تاريخ هذه المدينة الحضاري.
وميناء وهران (المرسى الكبير) نوّه به كثير من الجغرافيين والرحالة الذين وصفوا وهران, فـ(ليون الإفريقي) اعتبره من أكبر موانئ الدنيا, ترسو به مئات المراكب والسفن -التجارية منها والحربية- دون خطر, فهو في مأمن عن كل عاصفة أو هجوم بحري؛ وتشير مصادر العصر الوسيط بأن وهران كانت تحتل موقعا تجاريا هاما, وذلك لكثرة الفائض الذي كان يصدّر إلى الخارج, وكان هذا الفائض في غالبه منتوجات زراعية وحيوانية, وبعض الصناعات البسيطة, وبعض الصناعات التقليدية, وبعض الحرف الصغيرة, كدباغة الجلود والصوف وصناعة الخزف والحلي, وحتى تجارة العبيد.

1- وصف سكان وهران:

تشير بعض المصادر أن سكان وهران أناس طيبون, وكرماء وظرفاء, يحبون الغريب, ويجيرون من استجارهم, ولهم عزة نفس وأنفة, وكانوا يتمتعون بحرية تامة في اختيار رئيس مجلسهم المكلف في النظر في قضاياهم المدنية والجنائية, فلقد كانوا يعيشون في استقلال عن ملوك تلمسان يوم كانت وهران تحت سلطتهم, ولم تشر المصادر القديمة إلى وجود صراعات بين العرب والبربر أو بين السكان الأصليين وبين القادمين من الأندلس.
2- وصف الجانب الفلاحي:
يذكر أغلب الرحالة والجغرافيين المسلمين كالحميري والمزاري أن مدينة وهران مدينة فلاحية, وبها سهول خصبة وأراضي شاسعة, وبها مياه وعيون سائحة, ومن خلال الوصف يتضح بأنه كان لوهران إنتاج وفير من المنتوجات الزراعية, وكان في الغالب يصدر للدول المجاورة, كما كانت هناك منتوجات أخرى كالعسل والسمن واللحم بسبب تربية الأبقار والغنم؛ في حين يصفها ليون الإفريقي بأنها "لم تعرف وهران الرخاء, فلقد كان مأكل السكان من خبز الشعير", وهذا الوصف صحيح لأنه وصفها زمن الحروب وبعد دخول الإسبان إليها, مما أدى إلى تدهور المستوى المعيشي للسكان.
3- وصف الجانب العمراني:
لقد ركز معظم الرحالة والجغرافيين المسلمين على الجانب العمراني لوهران, فأول من وصف وهران عمرانيا هو ابن حوقل, ووصفها البكري وقال بأنها مدينة حصينة, ووصفها الإدريسي فقال هي مدينة على مقربة البحر وعليها سور تراب متقن, وبها أسواق وحصون, ووصفها ليون الإفريقي فقال: "وهران مدينة كبيرة, تحتوي زهاء 6 آلاف موقد..., وبها مؤسسات وبنايات, وتتميز بطابع المدينة المتحضرة, وذلك لما تشمله من مساجد ومدارس ومستشفيات وحمامات وفنادق ذات أسوار عالية." وقال أحمد ابن سحنون الراشدي: "قد حماها البحر من شمالها وأحاطت حصونها بيمينها وشمالها وأحاطت بها الخنادق إحاطة المناطق, ودارت عليها الأسوار دوران السوار". ويصف بعض الرحالة الطرق والفجاج المؤدية إليها, ويحصي المسافة والموقع عن بعض المدن المعروفة وقتذاك مثل تلمسان وغيرها...
4- وصف الجانب التجاري للمدينة:
تعتبر مدينة وهران نقطة اتصال بين المغربين الأوسط والأقصى, من حيث الموقع, كما تتمتع بطرق برية هامة بين الشمال والجنوب وزادها المرسى الكبير أهمية بحيث جعلها على اتصال بالعالم الخارجي المسيحي, فكانت وهران مركزا تجاريا هاما بالنسبة للأوربيين الكاتالونيين والجنويين, كما كان التجار يجهزون سفنا تجارية وأخرى حربية قصد القرصنة. وقد وصف أكثر الرحالة والجغرافيين (كياقوت الحموي والحميري وليون الإفريقي والمازري) أهلَ وهران بأنهم تجار, والذي جعل من وهران مدينة تجارية هامة هو الميناء من جهة وطيبة سكانها وحبهم للغريب من جهة أخرى وتطور مدينة وهران في الميدان الإقتصادي والعمراني.

قلعة بني حماد :

ومدينة بجاية هي ثاني عاصمة لدولة بني حماد ، أماعاصمتهم الأولى فقد كانت مدينة القلعة المشهورة بـ "قلعة بني حماد" التياختطها الأمير حماد بن زيري بن مناد بن بلكين ، في حدود عام 398هـ (1007 – 1008مـ) ليعلنا منها تأسيس الدولة "الحمادية " دولة مستقلة عن دولة " بنيزيري " التي كان على إمارتها في ذلك الوقت باديس بن أبي المنصور بن زيري ،وهو ابن أخي حماد.
وتتميز قلعة بني حماد التي تقع في الحدود الشماليةلسهول"الحضنة" بموقعها الاستراتيجي الهام فهي من الشمال محمية بجبل تاقرستالذي يبلغ ارتفاعه (1418 متراً) ومن الغرب بجبل قرين (1190 متراً) ويحيطبها من الشرق وادٍ بشكل مضائقه سوراً طبيعياً للمدنية , أما من جهة الجنوبفإن الطريق الوحيدة المؤدية إلى القلعة عبارة عن ثنية ملتوية تتبع "واديفرج " ولذلك كان ابن الأثير ، دقيقاً حين وصفها بأنها ، أحسن القلاع وأعلاها , ولا ترام على رأس جبل شاهق , لا يكاد الطرف يحققها لعلوها.
وتحدثابن خلدون في تاريخه عن مراحل تطورها : فأشار إلى أن حماداً اتم بناءهاوتمصيرها على رأس المائة الرابعة , وشيد بنياتها وأسوارها , واستكثر فيهامن المساجد والفنادق ، وأن الناصر بن علنّاس بني المباني العجيبة المؤنقة , وأن المنصور بني فيها قصر الملك والمنار الكوكب وقصر السلام.
وذكر صاحب كتاب الاستبصار أن بني حماد ، لهم بالقلعة مبان عظيمة , وقصور منيعة متقنة البناء عالية السناء.
واشتهرتالقلعة بالفلاحة , وتربية المواشي والصناعة والنشاط التجاري , ووصفالإدريسي الجغرافي أهلها بأنهم أبد الدهر شباع ، وذلك لغناها بالحبوب , وقد لخص ابن خلدون ما اشتهرت به القلعة في كلمات موجزات فقال : استبحرت فيالعمارة , واتسعت بالتمدن ، ورحل إليها من الثغور القاصية والبلد البعيدطلاب العلوم , وأرباب الصنائع ؛ لنفاق أسواق المعارف والحرف والصنائع بها.

تأسيس بجاية :

ظلت قلعة بني حماد عاصمة للدولة الحمادية منذ عهد مؤسسها حماد الذي توفي سنة 419هـ وحتى عهد الناصر بن علناس بن حماد ، مروراً بعهود القائد بن حمادالمتوفي سنة 446 هـ و محسن بن القائد ، الذي لم يستمر بالإمارة أكثر منتسعة أشهر , وعهد بلكين بن محمد بن حماد ، والذي يمكن اعتباره عهداًانتقالياً بين عهدي "محسن" و"الناصر " وذلك لما اكتنفه من أحداث داخلية...إلا أن "الناصر" كره الإقامة في القلعة بالرغم من أنها أصبحت فيعهده عاصمة دولة قوية , تشتمل على ست ولايات هي : مليانة وحمزة (البويرةحالياً ) ونقاوس وقسنطينة ، والجزائر ، ومرسى الدجاج ، وأشير .. فأسسبجاية , وانتقل إليها في عام 461هـ .
وفي معجم البلدان كتب ياقوتالحموي ، يصف بجاية وسبب اختطاطها وما انطوي عليه من أحداث: ...مدينة علىساحل البحر بين أفريقية والمغرب كان أول من اختطها الناصر بن علناس بنحماد بن زيري في حدود عام 457هـ بينها وبين جزيرة مزغناي (الجزائر العاصمةحالياً) أربعة أيام كانت قديماً ميناء فقط , ثم بنيت المدينة من لحف جبلشاهق ، وفي قبلتها جبال كانت قاعدة ملك بني حماد وتمسى "الناصرية" أيضاًباسم بانيها , وهي مفتقرة إلى جميع البلاد , لا يخصها من المنافع شيء إنماهي دار مملكة , تركب منها السفن وتسافر إلى جميع الجهات وبينها وبين " ميلة " ثلاثة أيام.
وكان السبب في اختطاطها أن تميم بن المعز بن باديس، صاحب أفريقية أنفذ إلى ابن عمه "الناصر بن علناس" " محمد بن البعبع" رسولاً لإصلاح حال كانت بينهما فاسدة , فمر" ابن البعبع " بموضع "بجاية " وفيه أبيات من البربر قليلة , فتأملها حق التأمل ...وأشار عليه (أي علىالناصر) ببناء "بجاية" وأراه المصلحة في ذلك , والفائدة التي تحصل له منالصناعة بها , وكيد العدو .
فأمر من وقته بوضع الأساس وبناها بعسكره.. .ولما توفي الناصر سنة 481هـ واصل خلفه ما كان عليه من اهتمام بعمرانالمدينة , ولا سيما ابنه المنصور الذي خلفه في الإمارة , وكان معروفاًبولعه بالبناء ، فأسس جامع "بجاية" وجدد قصورها ، وتأنق في اختطاط المباني، وتشييد القصور وإجراء المياه في الرياض والبساتين.
مدينة القيروان
تقع القيروان في تونس على بُعد 156 كم من العاصمةتونس. وكلمة القيروان كلمة فارسية دخلت إلى العربية، وتعني مكان السلاحومحط الجيش أو استراحة القافلة وموضع اجتماع الناس في الحرب. قام بإنشاءالقيروان عقبة بن نافع رضي الله عنه عام 50هـ، ولقد لعبت القيروان دوراًأساسياً في تغيير مجرى تاريخ الحوض الغربي من البحر الأبيض المتوسط وفيتحويل إفريقية (تونس) والمغرب من أرض مسيحية لهجتها لاتينية، إلى أرضلغتها العربية ودينها الإسلام.
وتعتبر القيروان من أقدم وأهم المدن الإسلامية، بل هىالمدينة الإسلامية الأولى في منطقة المغرب ويعتبر إنشاء مدينة القيروانبداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المغرب العربي، فلقد كانت مدينةالقيروان تلعب دورين هامين في آن واحد، هما: الجهاد والدعوة، فبينما كانتالجيوش تخرج منها للغزو والفتح، كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا بينالبلاد يعلِّمون العربية وينشرون الإسلام.
ولقد استطاعت القيروان أن تفرز طوال أربعة قرونمتتالية مدرسة متعدّدة الخصائص أبقت على ذكرها خالداً وحافظت على مجدهاالتليد، وكانت المدينة آنذاك سوقاً للمعرفة يغترف من مناهلها الواردون علىأحواضها والمتعطّشون لمعارفها، فطبقت شهرتها الآفاق وعمّ ذكرها كامل أرجاءالمغرب الإسلامي.
وانتصب بها منذ أواخر القرن الثالث هجري (التاسعميلادي) بيت للحكمة محاك لمثيل ببغداد في التبحّر في مجالات العلوم الطبيةوالفلكية والهندسية والترجمة وركّزت مقومات النهضة الفكرية والعلميةبالبلاد.
وقد ظلت عاصمة للبلاد وأحد أكثر مراكز الثقافة العربيةالإسلامية تألقاً بالمغرب الإسلامي طيلة خمسة قرون من السابع إلى الثاني عشر للميلاد.
إن قيمة معالم القيروان وأصالتها وثراء كنوزها الأثريةوتنوعها تجعل منها أيضا متحفاً حياً للفنون والحضارة العربية الإسلامية،وما تتسم به معالم المدينة من أشكال معمارية فاخرة ومن تنوع في رصيدهاالزخرفي ينم ويشهد في آن واحد على الدور الذي قامت به في تأسيس الفنالإسلامي ونضجه ونشره.
من المعالم التاريخية:

1-الجامع الكبير:

 ويرجع تاريخه إلى العام 836م ويعدمحرابه وأرضيته ذات البريق المعدني وكذلك منبره ومقصورته من روائع تحفالفن الإسلامي.
مسجد ابن نيرون أو جامع الأبواب الثلاثة : وهو يقدمواحدة من أجمل وأقدم الواجهات المزخرفة التي يرجع عهدها إلى القرن الثالثه التاسع
الفسقيات: وقد بنيت في العام 836م لتزويد القيروان بالماء ،وهي تشكل أهم التجهيزات المائية المقامة في العصر الوسيط.
ولا تزال المدينة تحتفظ أيضاً بعدد لكبير من مساجدالخطبة بالأحياء أو ببعض الحمّامات العمومية، وبأسواقها ومقابرها القديمة،وبالقسط الآخر من نسيجها الحضري الإسلامي.
وإلى هذه المعالم يضاف عدد كبير من المباني الدينيةتعود إلى القرن الخامس عشر مثل: الزوايا والمدارس، ومقامات الصالحين، ممابناه أهل القيروان تخليداً لذكرى أعلام المدينة، وقد أضفت هذه المباني علىالمدينة صبغة المدينة المقدسة.

2-جامع عقبة بن نافع يعد هذا المسجد الجامع بالقيروانأبرز ما جاءت به العمارة القيروانية في الحضارة الإسلاميةبالمغرب العربي،وقد أسس سنة 50 ه، ويعود الفضل لزيادة الله الأول في رسم ملامحه وتخطيطهالنهائي 220 - 226ه ، وهو يشتمل على 17 بلاطة وثمانية أساكيب، ويستمدتخطيطه من الجامع الأموي مع الاقتداء بمثال جامع الرسول بالمدينة.

الاسمبريد إلكترونيرسالة